فصل: (مسألة: صالح أحد رجلين على دار ملكاها بجهتين)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: في الصلح لا يصح ترك الحق بغير عوض]

وإن كان هذا الحائط بينهما نصفين، فهدماه، أو انهدم، ثم اصطلحا على أن يبنياه، وينفقا عليه بالسوية، ويكون لأحدهما ثلث الحائط، وللآخر ثلثاه، ويحمل عليه كل واحد منهما ما شاء.. فلا يصح هذا الصلح؛ لأن الصلح هو: أن يترك بعض حقه بعوض، وهاهنا قد ترك أحدهما لصاحبه سدس الحائط بغير عوض، فلم يصح، كما لو ادعى على رجل دارا، فأقر له بها، ثم صالحه المدعي منها على سكناها.. فلا يصح؛ لأنه ملكه الدار والمنفعة، ثم مصالحته على منفعتها ترك حق له بلا عوض، كذلك هاهنا مثله، ولأن هذا شرط فاسد؛ لأن كل واحد منهما شرط أن يحمل عليه ما شاء، والحائط لا يحمل ما شاء، فلم يصح، كما لو صالحه على أن يبني على حائطه ما يشاء.. فإنه لا يصح؛ لأن ذلك مجهول وإن اصطلحا على أن يبنياه، وينفق عليه أحدهما ثلث النفقة، وينفق عليه الآخر ثلثي النفقة، ويحمل على الحائط خشبا معلومة.. فقد قال الشيخ أبو حامد في درسه أولا: يصح الصلح؛ لأنه لما زاد في الإنفاق.. ترك الآخر بعض حقه بعوض. وقال في درسه ثانية: لا يصح هذا الصلح؛ لأن النفقة التي تزيد على نفقة حقه مجهولة، والصلح على عوض مجهول لا يصح، ولأنه صلح على ما ليس بموجود؛ لأن الحائط وقت العقد معدوم.

.[فرع: الجدران المشتركة علوا وسفلا]

وإن كان حيطان العلو لرجل، وحيطان السفل لآخر والسقف بينهما، فانهدم الجميع.. فليس لصاحب السفل أن يجبر صاحب العلو على البناء، قولا واحدا؛ لأن حيطان السفل لصاحب السفل، فلا يجبر غيره على بنائها، وهل لصاحب العلو المطالبة بإجبار صاحب السفل على بناء السفل؟ على القولين في الحائط.
فإن قلنا بقوله القديم.. أجبر الحاكم صاحب السفل على البناء، وإن لم يكن له مال.. اقترض عليه من صاحب العلو، أو من غيره، وبنى له سفله، وكان ذلك دينا في ذمته إلى أن يوسر، وهكذا إذا بنى صاحب العلو حيطان السفل بإذن صاحب السفل، أو بإذن الحاكم، جاز، وكانت حيطان السفل لصاحب السفل، ولصاحب العلو أن يرجع بما أنفقه على حيطان السفل على صاحب السفل، ثم يعيد علوه كما كان، وإن أراد صاحب العلو أن يبني السفل من غير إذن الحاكم، وغير إذن صاحب السفل.. لم يمنع من ذلك؛ لأنه يستحق الحمل على حيطان السفل، ولا يرجع بما أنفق عليها؛ لأنه متطوع.
فإن بنى صاحب العلو السفل بآلته.. كان ملكا لصاحب السفل كما كان، وليس لصاحب العلو نقضها، ولكن يعيد علوه عليها.
وإن بناه بآلة أخرى.. كانت الحيطان ملكا لصاحب العلو، وليس لصاحب السفل أن يضع عليها شيئا، ولا يتد فيها وتدا، ولكن له أن يسكن في قرار السفل؛ لأن ذلك قرار ملكه، فإن أراد صاحب العلو نقض ذلك.. كان له ذلك؛ لأنه ملكه. وإن بذل له صاحب السفل ما أنفق، ولا ينقص.. لم يجبر صاحب العلو على التبقية؛ لأنه لا يجبر على البناء في الابتداء، فلم يجبر على التبقية في الانتهاء.

.[مسألة: اصطلحا على بناء معلوم فوق البيت]

قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ولو ادعى على رجل بيتا في يده، فاصطلحا بعد الإقرار على أن يكون لأحدهما سطحه، والبناء على جدرانه بناء معلوما.. جاز).
واختلف أصحابنا في صورة هذه المسألة:
فقال أبو العباس ابن سريج: صورتها: أن يدعي رجل على رجل دارا، في يده علوها وسفلها، فيقر له بها، ثم اصطلحا على أن يكون السفل والعلو للمقر له، ويبني المقر على العلو بناء معلوما.. فيصح الصلح، ويكون ذلك فرعا للعارية، وليس ذلك بصلح معاوضة؛ لأن صلح المعاوضة إسقاط بعض حقه بعوض، وهذا ترك بعض حقه بلا عوض؛ لأنه ملك العلو والسفل بالإقرار، ثم ترك المقر له للمقر العلو بغير عوض، فيكون عارية له الرجوع فيها قبل البناء، وليس له الرجوع بعد البناء، كما قال الشافعي: (إذا ادعى على رجل دارا، فأقر له بها، ثم صالحه منها على سكناها.. فلا يكون صلحا، وإنما يكون عارية).
ومنهم من قال: صورتها: أن يدعي رجل على رجل سفل بيت عليه علو، ويقر: أن العلو للمدعى عليه، فيقر المدعى عليه للمدعي بالسفل، ثم اصطلحا على أن يكون السفل للمدعى عليه، على أن المدعي يبني على العلو غرفة معلومة البناء.. فيصح.
قال الشيخ أبو حامد: وهذا أصح التأويلين.
وقال ابن الصباغ: الأول أشبه بكلام الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

.[مسألة: صالح أحد رجلين على دار ملكاها بجهتين]

إذا ادعى رجل دارا في يد رجلين، فأقر له أحدهما بنصفها، وأنكر الآخر، وحلف له، فصالح المقر المدعي عن نصف الدار على عوض، وصار ذلك النصف للمقر.. فهل لشريكه المنكر أن يأخذ ذلك بالشفعة؟ قال الشيخ أبو حامد: إن كانا ملكا بجهتين مختلفتين، مثل: أن كان أحدهما ورث ما بيده، والآخر ابتاع ما بيده.. فللشريك المنكر الشفعة؛ لأن الجهتين إذا اختلفتا.. أمكن أن يكون نصيب أحدهما مستحقا، فيدعيه صاحبه، فيعطيه، ثم يملكه بالصلح، فتثبت فيه الشفعة، وإن اتفقت جهة تمليكهما، كالإرث، أو الابتياع.. ففيه وجهان:
أحدهما: ليس للمنكر الأخذ بالشفعة؛ لأنه يقر بأن أخاه أقر بنصف الدار بغير حق، ولم يملكه بالصلح، وهذا يمنعه من المطالبة بالشفعة.
والثاني: له المطالبة بالشفعة، وهو الصحيح؛ لأنه قد حكم بنصفها للمقر له، وحكم بأنه انتقل ذلك إلى المقر بالصلح، مع أنه يحتمل أن يكون قد انتقل إليه نصيب المقر من غير أن يعلم الآخر.
وأما ترتيب ابن الصباغ فيها: فقال: إن كان إنكار المنكر مطلقا، كأن أنكر ما ادعاه.. فله الأخذ بالشفعة، وإن قال: هذه الدار لنا، ورثناها عن أبينا.. فهل له الأخذ بالشفعة؟ فيه وجهان.

.[مسألة: إقرار بعض الورثة بحق لآخر]

قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وإذا أقر أحد الورثة في دار في أيديهم بحق لرجل، ثم صالحه منه على شيء بعينه.. فالصلح جائز، والوارث المقر متطوع، ولا يرجع على إخوته بشيء). واختلف أصحابنا في صورتها:
فمنهم من قال: صورتها: أن يدعي رجل على جماعة ورثة لرجل دارا في أيديهم، كان أبوهم غصبه إياها، فأقر له أحدهم بذلك، وقال: صدقت في دعواك، وقد وكلني شركائي على مصالحتك بشيء معلوم، فحكم هذا في حق شركائه حكم الأجنبي إذا صالح عن المدعى عليه على عين مع الإنكار على ما مضى.
وقال أبو علي الطبري: تأويلها: أن يدعي رجل على جماعة ورثة دينا على مورثهم، وأن هذه الدار رهنها عنده بالدين، فيقر له أحدهم بصحة دعواه، ويصالحه عن ذلك بشيء، فحكمه حكم الأجنبي إذا صالح عن المدعى عليه بالدين مع إنكاره. قال: لأن الشافعي قال: (وأقر أحد الورثة في دار في أيديهم بحق)، ولو أقر بالدار.. لقال: أقر بالدار. وإنما أراد رهن الدار، وأيهما كان.. فقد مضى حكمه.
قال الشيخ أبو حامد: والتأويل الأول أصح، وقد بين الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذلك في "الأم" [3/198 - 199].

.[مسألة: المصالحة على دراهم بدل الزرع]

قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ولو ادعى رجل على رجل زرعا في الأرض، فصالحه من ذلك على دراهم.. فجائز). وهذا كما قال: إذا ادعى رجل على رجل زرعا في أرض، فأقر له به، فصالحه عنه بعوض:
فإن كان بشرط القطع.. صح الصلح، فإن كانت الأرض للمقر.. كان له تبقية الزرع؛ لأن الزرع له، والأرض له.
فإن قيل: هلا كان للمدعي إجباره على القطع؛ لأن له غرضا في ذلك، وهو أنه ربما أصابته جائحة، فرفعه إلى حاكم يرى إيجاب وضع الجوائح، فيضمنه ذلك؟
قال ابن الصباغ: فالجواب: أن ذلك إنما يكون إذا لم يشرط القطع، فأما مع شرط القطع، فلا يضمن البائع الجوائح.
وإن صالحه من غير شرط القطع، فإن كانت الأرض لغير المقر.. لم يصح الصلح، وإن كانت الأرض للمقر.. فهل يصح الصلح؟ فيه وجهان، مضى ذكرهما في البيع.
وإن كان الزرع بين رجلين، فادعى عليهما رجل به، فأقر له أحدهما بنصفه، وصالحه منه على عوض، فإن كانت الأرض لغير المقر.. لم يصح الصلح، سواء كان مطلقا أو بشرط القطع؛ لأنه إن كان مطلقا.. فلا يصح؛ لأنه زرع أخضر، فلا يصح بيعه من غير شرط القطع، وإن كان بشرط القطع.. لم يصح أيضا؛ لأن نصيبه لا يتميز عن نصيب شريكه، فلا يجبر شريكه على قلع زرعه. هكذا ذكر الشيخ أبو حامد، وابن الصباغ، وقد مضى ذكرها في البيوع.
وذكر القاضي أبو الطيب: أن ذلك ينبني على القولين في القسمة، هل هي بيع، أو إفراز حق؟ وإن كانت الأرض للمقر، فإن قلنا: إن من اشترى زرعا في أرضه، يصح من غير شرط القطع.. صح الصلح هاهنا، وإن قلنا: لا يصح أن يشتري زرعا في أرضه إلا بشرط القطع.. لم يصح الصلح هاهنا.

.[فرع: المصالحة على نصف الأرض بنصف الزرع]

قال ابن الصباغ: وإن ادعى على رجل زرعا في أرضه، فأقر له بنصفه، ثم صالحه منه على نصفه على نصف الأرض.. لم يجز؛ لأن من شرط بيع الزرع قطعه، وذلك لا يمكن في المشاع، وإن صالحه منه على جميع الأرض بشرط القطع على أن يسلم إليه الأرض فارغة.. صح؛ لأن قطع جميع الزرع واجب، نصفه بحكم الصلح، والباقي لتفريغ الأرض، فأمكن القطع، وجرى مجرى من اشترى أرضا فيها زرع، وشرط تفريغ الأرض.. فإنه يجوز، كذلك هاهنا.
وإن أقر له بجميع الزرع، وصالحه من نصفه على نصف الأرض؛ ليكون الزرع والأرض بينهما نصفين، وشرطا القطع في الجميع، فإن كان الزرع زرع في الأرض بغير حق.. جاز الصلح؛ لأن الزرع يجب قطع جميعه، وإن كان الزرع زرع بحق.. لم يصح الصلح؛ لأنه لا يمكن قطع الجميع.
وذكر الشيخ أبو حامد في "التعليق": أن أصحابنا قالوا: إذا كان له زرع في أرض غيره، فصالح صاحب الزرع صاحب الأرض من نصف الزرع على نصف الأرض بشرط القطع.. جاز؛ لأن نصف الزرع قد استحق قطعه بالشرط، والنصف الآخر قد استحق أيضا قطعه؛ لأنه يحتاج إلى تفريغ الأرض لتسليمها، فوجب أن يفرغها. قال: وهذا ضعيف، أما النصف: فقد استحق قطعه، وأما النصف الآخر: فلا يحتاج إلى قطعه؛ لأنه يمكن تسليم الأرض وفيها زرع.
قال ابن الصباغ: ولأن باقي الزرع ليس بمبيع.. فلا يصح شرط قطعه في العقد، ويفارق ما ذكرناه إذا أقر بنصف الزرع، وصالحه على جميع الأرض؛ لأنه شرط تفريغ جميع المبيع. وبالله التوفيق

.[كتاب الحوالة]

الحوالة: نقل حق من ذمة إلى ذمة، مشتقة من قولهم: حولت الشيء من موضع إلى موضع: إذا نقلته إليه.
والأصل في جوازها: ما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «مطل الغني ظلم، وإذا أحيل أحدكم على مليء.. فليحتل»، وروي: «وإذا اتبع أحدكم على مليء.. فليتبع». والمراد به الحوالة.
وأجمع المسلمون على جوازها، ولا تتم إلا بثلاثة أنفس: محيل، وهو: من يحيل بما عليه، ومحتال، وهو: من يحتال بما له من الحق، ومحال عليه، وهو: من ينتقل حق المحتال إليه.

.[مسألة: الحوالة ثابتة للحق المستقر في الذمة]

وتجوز الحوالة بعوض القرض، وبدل المتلف؛ لأنه حق ثابت مستقر في الذمة، فجازت الحوالة به كبيعه.
قال الشيخ أبو حامد: وتجوز الحوالة بثمن المبيع؛ لأنه دين مستقر.
وهل تجوز الحوالة بالثمن في مدة الخيار؟ فيه وجهان، حكاهما ابن الصباغ:
أحدهما: وهو قول القاضي أبي حامد -: أنه لا تصح الحوالة به؛ لأنه ليس بثابت.
والثاني: تصح؛ لأنه يئول إلى اللزوم، ولا تجوز الحوالة بالمبيع قبل القبض؛ لأنه غير مستقر؛ لأنه قد يتلف فيبطل البيع فيه.

.[فرع: عدم صحة الحوالة بمال غير مستقر]

ولا تجوز الحوالة بدين السلم، ولا عليه، لما روى أبو سعيد الخدري: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أسلم في شيء.. فلا يصرفه إلى غيره».
وأما المكاتب إذا حصلت عليه ديون لغير سيده من المعاملة، وله ديون.. جاز له أن يحيل بعض غرمائه على بعض، وجاز لغرمائه أن يحيلوا عليه بما لهم في ذمته؛ لأن الحق ثابت في ذمته، وأما ما في ذمته من مال الكتابة: فلا يجوز لسيده أن يحيل به عليه؛ لأنه غير مستقر؛ لأن له أن يعجز نفسه متى شاء، فلا معنى للحوالة به، وإن أراد المكاتب أن يحيل سيده بمال الكتابة الذي عليه على غريم المكاتب.. قال ابن الصباغ: صحت الحوالة. واشترط صاحب " المجموع " أن يكون النجم قد حل؛ لأنه بمنزلة أن يقضيه ذلك من يده.
وإن كان لسيده عليه مال من جهة المعاملة.. فهل يجوز للسيد أن يحيل غريما له عليه؟ فيه وجهان، حكاهما الطبري:
أحدهما: يصح، ولم يذكر ابن الصباغ غيره؛ لأنه دين لازم.
والثاني: لا يصح؛ لأنه قد يعجز نفسه، فيسقط ما في ذمته لسيده من دين المعاملة وغيرها؛ لأن السيد لا يثبت له المال على عبده.
قال الصيمري: وإن أحاله رجل على عبده، فإن كان مأذونا له في التجارة جاز، وإن كان غير مأذون له... ففيه وجهان، الأصح: لا تصح الحوالة.

.[مسألة: صحة الحوالة بالنقد المعلوم]

تجوز الحوالة بالدراهم، والدنانير، وبما له مثل، كالطعام والأدهان؛ لأن القصد من الحوالة إيفاء الغريم حقه من غير زيادة ولا نقصان، وذلك يحصل بما ذكرناه.
وهل تصح الحوالة بما لا مثل مما يضبط بالصفة، كالثياب، والحيوان، والعروض التي يصح السلم عليها؟ فيه وجهان:
أحدهما: يصح؛ لأنه مال ثابت في الذمة مستقر، فصحت الحوالة به، كالدراهم والدنانير.
والثاني: لا يصح؛ لأن المثل فيه لا ينحصر، ولهذا لا يضمن بمثله في الإتلاف.
فإذا قلنا بهذا: لم تجز الحوالة بإبل الدية، وإذا قلنا بالأول.. فهل تصح الحوالة بإبل الدية؟ فيه وجهان، مخرَّجان من القولين للشافعي: (إذا جنت امرأة على رجل موضحة، فتزوجها على خمس من الإبل في ذمتها له أرش جنايتها عليه)، وكذلك قال في (الصلح): (إذا كان له في ذمته أرش جناية، خمس من الإبل، فصالح عنها).. فهل يصح؟ فيه قولان:
أحدهما: (يصح)؛ لأنه دين مستقر في الذمة معلوم العدد والسن.
والثاني: (لا يصح)، وهو الصحيح؛ لأنها مجهولة الصفة؛ لأنه لا يتعين على من وجبت عليه أن يسلمها من لون مخصوص.

.[مسألة: كون الحقين متجانسين]

ولا تصح الحوالة إلا إذا كان الحقان من جنس واحد، فإن كان عليه لرجل دنانير، فأحاله بها على رجل له عليه دراهم، أو أحال من له عليه حنطة على من له عليه شعير، أو ذرة.. لم تصح الحوالة؛ لأن موضوع الحوالة: أنها لا تفتقر إلى رضا المحال عليه، فلو صححناها بغير جنس الحق.. لاشترط فيها رضاه؛ لأنه لا يجيز على تسليم غير الجنس الذي عليه، ولأن الحوالة تجري مجرى المقاصة؛ لأن المحيل يسقط
ما في ذمته بما له في ذمة المحال عليه، ثم المقاصة لا تصح في جنس بجنس آخر، فكذلك الحوالة.
ولا تصح الحوالة إلا إن كان الحقان من نوع لجنس واحد؛ لما ذكرناه في الجنس، فإن كان له على رجل ألف درهم صحاح، فأحاله بها على من له عليه ألف درهم مكسرة، أو كان بالعكس من ذلك.. لم تصح الحوالة؛ لأن الحوالة في الحقيقة بيع دين بدين، وبيع الدراهم بالدراهم صرف من شرطه القبض في المجلس، إلا أنه جوز تأخير القبض في الحوالة؛ لأنه عقد إرفاق ومعروف، فإذا دخل فيه الفضل.. صار بيعا وتجارة، وبيع الدين بالدين لا يجوز، ألا ترى أن القرض في الحقيقة صرف؛ لأنه يعطي درهما بدرهم، ولكن جوزنا تأخير القبض فيه؛ لأنه إرفاق؟
ولو قال: أقرضتك هذه الدراهم المكسرة لترد علي صحاحا.. لم يصح. فكذلك هذا مثله.

.[فرع: يحال الدين الحال على الحال، والمؤجل على المؤجل]

وإن أحاله بدين حال على رجل له عليه دين حال، أو بدين مؤجل على دين مؤجل، وهما متساويان في الأجل.. صح، وإن أحاله بدين حال عليه على دين مؤجل له.. لم يصح؛ لأن الحال لا يتأجل عندنا، ولأن المحتال قد نقص من حقه، وهو أن دينه كان معجلا، فجعله مؤجلا، لينقل حقه من ذمة إلى ذمة، فلم يصح، كما لو كان له دين مؤجل، فقال: من عليه الدين لمن له الدين: انقص من دينك، لأقدم لك دينك قبل حلوله.. فإن هذا لا يصح.
وإن كان عليه لرجل دين مؤجل، فأحاله به على دين له حال.. فهل تصح الحوالة؟ فيه وجهان، حكاهما المسعودي [في "الإبانة" ق \ 282]:
أحدهما: تصح؛ لأنه يمكنه تعجيل المؤجل.
والثاني: لا تصح، وهو قول البغداديين من أصحابنا؛ لأن المحيل قد زاد المحتال في حقه، لينقل حقه من ذمته إلى ذمة غيره، فلم يصح، كما لو كان له عليه ألف حال، فزاده فيه ليجعله مؤجلا.

.[فرع: الإحالة على مدين وضامن]

وإن كان لرجل على رجلين ألف درهم، على كل واحد منهما خمسمائة، وكل واحد منهما ضامن عن صاحبه، فأحاله أحدهما على الآخر بألف؛ برئت ذمتهما مما له عليهما، وإن أحال عليهما رجلا له عليه ألف ليأخذ من كل واحد منهما خمسمائة.. صح، وإن أحاله عليهما، على أن يطالب من شاء منهما بالألف.. فهل تصح الحوالة؟ فيه وجهان، حكاهما أبو العباس:
أحدهما: تصح الحوالة، وهو اختيار الشيخ أبي حامد؛ لأن المحتال لا يأخذ إلا قدر حقه؛ لأن الزيادة إنما تكون في القدر، أو الصفة، ألا ترى أنه يجوز أن يحيل على من هو أملى منه؟
والثاني: لا تصح الحوالة، وهو اختيار القاضي أبي الطيب؛ لأنه يستفيد بهذه الحوالة زيادة في المطالبة؛ لأنه كان يطالب واحدا، فصار يطالب اثنين، ولأن الحوالة بيع، فإذا كان الحق على اثنين.. كان المقبوض منه منهما مجهولا، فلم تصح.
قال الشيخ أبو حامد:
فعلى هذا الوجه: لا تصح الحوالة بدين فيه ضمان، أو رهن.
وقال ابن الصباغ: ينبغي أن لا تصح الحوالة بدين لا رهن به على دين به رهن، وجها واحدا؛ لأن الرهن عقد وقع له، فلا يقبل النقل إلى غيره، بخلاف الذي له على الضامن؛ لأنه يقبل النقل. ولهذا لو أحاله عليه وحده.. جاز.

.[مسألة: الإحالة على من لا حق له عنده]

إذا كان لرجل على رجل حق، فأحاله على من لا حق له عليه، فإن لم يقبل المحال عليه الحوالة.. لم تصح الحوالة، ولم تبرأ ذمة المحيل؛ لأنه لا يستحق شيئا على المحال عليه، وإن قبل المحال عليه الحوالة.. فهل تصح الحوالة؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا تصح، وهو قول أكثر أصحابنا، وهو ظاهر كلام المزني: لأن الحوالة معاوضة، فإذا كان لا يملك شيئا في ذمة المحال عليه.. لم تصح، كما لو اشترى شاة حية بشاة ميتة، ولأنه لو أحاله على من له عليه دين غير لازم، أو غير مستقر، أو مخالف لصفة دينه.. لم تصح الحوالة، فلأن لا تصح الحوالة على من لا دين له عليه أولى.
والثاني: تصح الحوالة، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -؛ لأن المحال عليه إذا قبل الحوالة.. صار كأنه قال لصاحب الحق: أسقط عنه حقك، أو أبرئه، وعلي عوضه، ولو قال ذلك.. للزمه؛ لأنه استدعاء إتلاف ملك بعوض، فكذلك هذا مثله.
فإذا قلنا بهذا: فللمحال عليه أن يطالب المحيل بتخليصه. كما يطالب الضامن المضمون عنه بتخليصه، فإن وزن المحال عليه الحق، فإن كان يغير إذن المحيل.. لم يرجع على المحيل بشيء؛ لأنه متطوع، وإن وزن بإذنه.. رجع عليه، وإن أبرأ المحتال المحال عليه.. برئ، ولا يرجع المحال عليه على المحيل بشيء؛ لأنه لم يغرم شيئا، والذي يقتضي المذهب: أن المحتال لا يرجع على المحيل بشيء؛ لأن ذمته قد برئت بالحوالة على هذا، وإن قبض المحتال الحق من المحال عليه بإذن المحيل، ثم وهبه المحتال للمحال عليه.. فهل يرجع المحال عليه على المحيل بشيء؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يرجع عليه بشيء؛ لأنه لم يغرم شيئا؛ لأن ما دفع.. رجع إليه.
والثاني: يرجع عليه، وهو المذهب؛ لأنه قد غرم، وإنما عاد إليه بسبب آخر.
وإن كان عليه دين مؤجل، فأحاله على رجل لا شيء له عليه، وقبل المحال عليه الحوالة، وقلنا: تصح، فإن قضاه المحال عليه الحق في محله بإذن المحيل..
رجع عليه، وإن قضاه قبل حلول الحق.. لم يرجع على المحيل قبل محل الدين؛ لأنه متطوع بالتقديم. فإن اختلف المحيل والمحال عليه، فقال المحال عليه: أحلت علي، ولا حق لك علي، وأنا أستحق الرجوع عليك؛ لأني قضيت بإذنك. وقال المحيل: بل أحلت بحق لي عليك.. فالقول قول المحال عليه مع يمينه؛ لأن الأصل براءة ذمته من الدين.